القصة الخامسة:
يقول الشاعر:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا…..وحسب المنايا أن تكون أماني
يقول يكفي من عظم المصيبة أن ترى الموت هو الشفاء، وأن تكون المنية هي الأمنية.
نعم أيها الأخوة لقد تمناها ذلك الرجل المسكين الذي جاءه خبر وفاة ابنتيه وهما في عمر الزهور.
الأولى زواجها بعد أشهر، والثانية في الجامعة تنتظر فارس الأحلام.
أقبل ذلك الرجل وهو يصرخ بأعلى صوته ماتت! ماتت.
أما الأخرى فلا تزال في المستشفى، ويرفع الرجل يديه:
يارب، يارب، يارب!
أتدرون بماذا يدعُ ؟
هل تظن أنه يدع بشفاء ابنته بعد ما فجع بموت شقيقتها؟
لا… والله، إنه يدع على ابنته المصابة بالموت فاستجاب الله دعائه، وما هي إلا لحظات حتى وصله الخبر أنها ماتت فحمد الله.
ولكن ما القصة ؟
وما الذي جعل الوالد يدع على ابنتيه ؟
إنه العار، إنه الفضيحة التي لطخته بنزوة شيطانية من فتاة مراهقة لم تظن يوما أنها ستكون سببا في هذه الكارثة، ولكن النار من مستصغر الشرر.
وكم مثلها كثير هذه الفتاة التي جعلت أمنية والدها أن تموت هي.
وحسب المنايا أن يكون أماني.
تعرفت هذه الفتاة الكبيرة على شاب، وإن قلت فهو ذئب، ودارت علاقة شيطانية واتصالات هاتفية في ساعات متأخرة، وتبادلت العواطف وتداعبت المشاعر، وتأججت الشهوة عبر الأسلاك.
وكانت هذه هي الخطوات الأولى، مكالمات بعد مكالمات، ولكن هل بقي الأمر على المكالمات؟ كلا…فقد نقلهم الشيطان إلى الخطوة الأخرى.
لأن الشيطان يقود الإنسان خطوات:
(يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين، إنما يأمركم بالسوء والفحشاء، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
أنتقل هذا الهتاف، وهذا النداء، أنتقل إلى طلب موعد ولقاء، ولكن بدون أي شيء، مجرد رؤية ومجرد جلسة نزيهة.
الثقة متوفرة، وأنا أحرص على عرضي، وأحرص على عرضك، كيف ونحن سنكون زوجين في المستقبل، لكن نجلس يرى بعضنا بعض، نحقق لنا شيء من الراحة، بهذه العبارات أغرى هذه المسكينة، وحدد لها موعدا زمانا ومكانا عبر الثقة التي تتوق إليها النفوس المريضة، ويخطط لها الأوغاد، حتى إذا وقعت الفريسة في الشباك أمسك بزمام الأمر وباع واشترى في العرض.
خرجا مرارا وتقابلا تكرارا، وفي المرة الأولى وهي تركب في السيارة مدت يدها من باب الفضول عليه، فقال لها:
لا.. حرام عليك هذا لا يجوز… نحن الآن نستغفر الله عن هذه الجلسة.
فتزداد ثقة البنت وقالت هذا الذي أثق فيه.
وبعد ذلك أوقعها في شراكه ثم بدل أن تمد يدها هي أنزلها من السيارة وأدخلها في البيت ووقع معها في الفاحشة، اغتال بكارتها وأوقعها في حبائله، وصادف قلبها الخالي من ذكر الله فأحتله.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى……فصادف قلبا خاليا فتمكنا.
وفي مغامرته مع أختها، أرادت الأخت أن تستدرج الصغيرة، أن تعلمها لتطبق لها دروسا نظرية قد أعطتها في البيت، لتطبقها عمليا في عالم الواقع.
وركبت مع أختها مع العشيق وليتهما ما ركبا، فانطلقا بسيارته وأصبح لديه بدل الفريسة فريستين، وبدل العشيقة عشيقتين.
ولكن الله يمهل ولا يهمل، وفي الطريق والسيارة مسرعة يقع الحادث، وتموت الكبرى في الحال، وتنقل الأخرى إلى العناية المركزة، ويدعوا عليها الأب والأم والأهل قاطبة بأن لا يبقيها، وتلحق بأختها وتموت.
إنهم لا يستطيعون رأيتها أو معايشة من دنست عرضهم ونكست رؤوسهم في الرمال.
إن هذا الأمر مستحيل.
وأسدل الستار على مسرحية دامية فلا زواج بعد شهر، ولا فرح مدى الدهر، فقد راحت البنت ضحية والأسرة ضحية والشرف ضحية.
وحسب المنايا أن يكون أماني حين ينتحر العفاف.
القصة السادسة والأخيرة:
خضراء الدمن، كان كل شيء طبيعي في البيت الصغير الهادئ الذي لم يمضي على إنشائه سوى عام والمكون من زوج في مقتبل العمر يكدح من الصباح إلى المساء، ويحلم أن يكون في مسائه في ظل زوجة حنون شريفة يقضي معها ليلا في سعادة وهناء، أحلام ولكنها أحلام اليقظة وإلا فمن أراد السعادة فليسلك مسالكها.
فإن السفينة لا تمشي على اليبس.
كان هذا البائس المسكين له امرأة جميلة المظهر خبيثة المخبر، وهي نتيجة لترك وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال للشباب:
(فأظفر بذات الدين تربت يداك).
بعض الشباب إذا أراد أن يتزوج جعل تركيزه الأول والأخير على الجمال.
كيف طولها ؟ كيف عرضها؟ كيف لونها؟ كم وزنها؟ طول شعرها؟ بس!
لكن نية دينها لا يسأل، بل ربما أن بعض الشباب إذا قيل له أنها ذات دين قال لا أريدها، هذه معقدة، لا أريد واحدة معقدة، أريد واحدة مفلوتة.
هذا من هذا الطراز، الشاب هذا بحث عن واحدة جميلة (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وقد تربت يدا هذا حين لم يظفر بذات الدين، ولكن حين لا حياة لمن تنادي.
ظفر هذا الشاب بهذه المرأة الجميلة وهي طالبة في الجامعة، وأصبح هذا المسكين بمنزلة السائق لها.
روتين ممل، يستيقظ في الصباح فيوصلها إلى الجامعة، ويذهب إلى عمله ثم يعود إليها بعد الظهر ويأخذها من الجامعة، وهكذا دواليك.
وفي أحد الأيام أحضرها إلى الجامعة، وذهب إلى عمله، وبعد ساعة وهو على مكتبه، يرن الهاتف، وإذا على الطرف الآخر رجل الأمن:
أنت فلان؟ قال نعم.
قال فلانة قريبتك؟ قال نعم زوجتي.
قال تفضل إلى المستشفى كرما.
قال ماذا جرى؟
قال الأمر بسيط..تفضل وأسرع إلينا.
وضع السماعة، وخرج المسكين بسيارته، وتزاحمت الأفكار والخيالات في رأسه.
وما أن وصل إلى المستشفى، وترك سيارته في موقف غير نظامي.
ونزل منها وهو يركض كالمجنون، ودخل غرفة الطوارئ، ووجد رجال الأمن.
قال ما الخبر؟
أخذوه إلى غرفت الإنعاش ويا للهول، لقد وجد زوجته التي أحضرها إلى الجامعة، وقد غطتها الدماء، وهي تأن تحت وطأة الآلام والجراحات المبرحة التي عمت جميع جسدها، ولكن ألم الفضيحة أدهى وأمر.
أخذ يصيح ويصرخ ويقول:
ماذا حدث ؟
قال له الضابط وقد أخبره الخبر.
هنا تلعثم لسانه، واضطربت به الأرض ودارت به الدنيا، وأخذ يجري ويصرخ ويتحرك اتجاه زوجته غير مصدق أنها خائنة، ووسط سيل منهمر من السباب والشتائم على هذا الوجه الخبيث الذي طعنه في كرامته.
قال لها أنت طالق، أنت طالق، ثم طالق، ثم أتبعها ببصقة في وجهها الدامي.
ومضى تاركا لها، كل هذا العار والهوان والضنك وكل هذه الآلام.
من يهن يسهل الهوان عليه…. ما لجرح بميت إلام
آلام وفضيحة وطلاق وموت.
مات عشيقها، وطلقها زوجها، وفضحت أهلها، وبقيت هي معوقة كسر ظهرها، وقطع النخاع الشوكي لها. وأصبحت مصابة بشلل رباعي.
تمنت أنها ماتت، وتمنى والدها وأمها أنها ماتت.
لم يذهبوا بها إلى البيت، وإنما وضعوها في غرفة المعاقين، وفي دار العجزة لتقضي حياتها في بئس وشقاء.
وصدق الله عز وجل:
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ).
ويسدل الستار أيها الأخوة على هذه القصص وغيرها كثير، ولكن ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
اللهم اجعل لنا من الناس عبرة، ولا تجعلنا للناس عبرة.
( لقد كان في قصصهم عبرة) لكن لمن ؟
(لأولي الألباب ).
فالله الله أيها الأخوة، لابد أن نأخذ بالأسباب الشرعية من حماية أعراضنا، ومن صون شرفنا، ومن التمسك بطاعة ربنا، فنربي أبنائنا، وأسرنا وبناتنا على الفضيلة، ونلتزم بآداب الشريعة في الحجاب وفي غض البصر وفي تحريم الخلوة وفي تحريم الاختلاط.
وأيضا نحيط أعراضنا بعناية ولا نمنحهم الثقة الكاملة، لا بأس بالثقة ولكن بحدود، أما أن تطلق العنان لمن هم تحت شرفك وإدارتك وولايتك وأنت تعرف أن المجتمع موبوء، وأن وسائل الفساد كثيرة، وأن المؤثرات والمغريات منتشرة، وأن قرينات السوء في المدرسة وفي الشارع وفي الجامعة كثير.
ثم بعد ذلك تثق الثقة العمياء…؟
هذا هو الذي سبب هذه الكوارث، وهذه القصص من عالم الواقع، وغيرها كثير والكثير هذا هو الذي طفئ على السطح وإلا الذي لا يُعلم عنه كثير.
لكن نسأل الله أن يسترنا بستره.
وأن يستر مجتمعنا، وأن يستر نساءنا وبناتنا ورجالنا وشبابنا بستر الإسلام.
وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
وأن يوفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا،أن يوفقهم لرعاية الفضيلة وحماية الدين، وحماية الأعراض، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…………………………………………………….
إليك أختي المسلمة أروي حكايتي الحزينة
بالحروف المظلمة
فتأملي وتعقلي وتجنبي ما قد جنيت من الذئاب الآثمة
فقفي ولا تتعجلي وبهدي ربك فاحملي
قلبا وروحا عازمة
فلقد سقطت ذليلة أبكي على درب الهوى
لما ظننت بأنه حقا لحبي قد نوى
صدقت معسول الكلام وخدرتني في الليالي
كل همسات الغرام
فلا أنام..ولا أنام
يمشي ورائي في النهار وكل حين في الظلام
يرجو لقائي في الحلال كما ادعى لا في الحرام
ولأنني أحببته أصبحت أحلم أنني قاربت تحقيق المرام
وضعيفة صدقته، وخجولة رافقته
ولرحلة مشؤومة كل الحياء فقدته
وسقطت في درب الرذيلة … ابكي عفافي والفضيلة
وفقدت أغلى ما لدي…. وصرت أحياء كالقتيلة
شرفي تحطم فأحذرِ…. يا أخت كي لا تُكسري
شرف العفيفة كالزجاج….. وعرضها كالجوهر
أختاه هذي قصتي….قد سطرتها آهتي
والعفو من رب السماء…والصفح أضحى غايتي
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين .